كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم ذكر أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في جامعه بإسناده عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:
ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلًا إن امن امن وإن كفر كفر. فإنه لا أسوة في الشر.
وقال في جامعه أيضًا رحمه الله: وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرناه في كتابنا هذا أنه قال: «علماء ثم تتخذ الناس رؤساء جهالًا يسألون فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون»
وهذا كله نفي للتقليد. وإبطال له لمن فهمه وهدي لرشده.
ثم ذكر رحمه الله اثارًا نحو ما تقدم ثم قال:
وقال: عبيد الله بن المعتمر: لا فرق بين بهيمة تقاد وإنسان يقلد.
وهذا كله لغير العامة. فإن العامة لابد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها.
لأنها لا تتبين موقع الحجة ولا تصل لعدم الفهم إلى علم ذلك. لأن العلم درجات لا سبيل مناه إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها.
وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة. والله أعلم.
ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها. وأنهم المرادون بقول الله عز وجل: {فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43والأنبياء: 7].
وأجمعوا على أن الأعمى لابد له من تقليد غيره ممن يثق بميزه في القبلةإذا أشكلت عليه.
فكذلك من لا علم له ولا بصر بمعنى ما يدين به لابد من تقليد عالمه. وكذلك لم يختلف العلماء أن العامة لا يجوز لها الفتيا.
وذلك والله أعلم لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحريم والتحليل. والقول في العلم.
ثم ذكر أبو عمر بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار. ومن استشار أخاه فأشار عليه بغير رشده فقد خانه. ومن أفتى بفتيا من غير ثبت فإنما إثمها على من أفتاه».
ثم ذكر بسنده أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
من أفتى بفتيا وهو يعمى عنها كان إثمها عليه اه.
ولا شك أن المقلد أعمى عما يفتي به لأن علمه به محصور في أن فلانا قاله مع علمه بأن فلانا ليس بمعصوم من الخطأ والزلل.
ثم قال أبو عمر رحمه الله: وقال أهل العلم والنظر حد العلم التبيين وإدراك المعلوم على ما هو به. فمن بان له الشيء فقد علمه.
قالوا: والمقلد لا علم له. ولم يختلفوا في ذلك إلى أن قال رحمه الله. وقال أبو عبد الله بن خويمنداد البصري المالكي:
التقليد معناه في الشرع الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه.
وذلك ممنوع منه في الشريعة.
والاتباع ما ثبت عليه حجة.
وقال في موضع آخر من كتابه: كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله لدليل يوجب عليك ذلك فأنت مقلده.
والتقليد في دين الله غير صحيح.
وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله فأنت متبعه.
والاتباع في الدين مسوغ والتقليد ممنوع.
وقالأبوعمر في آخر كلامه في هذا الباب ما نصه:
ولا خلاف بين أئمة الأمصار في فساد التقليد فأغنى ذلك عن الإكثار.
وقال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله. في كلامه عن التقليد ما نصه:
وقد احتج جماعة من الفقهاء وأهل النظر على من أجاز التقليد بحجج نظرية عقلية بعد ما تقدم.
فأحسن ما رأيت من ذلك قول المزني رحمه الله. وأنا أو رده قال:
يقال لمن حكم بالتقليد هل لك من حجة فيما حكمت به؟
فإن قال: نعم. أبطل التقليد لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد.
وإن قال: حكمنت به بغير حجة.
قيل له: فلم أرقت الدماء. وأبحت الفروج وأتلفت الأموال. وقد حرم الله ذلك إلا بحجة؟
قال الله عز وجل: {إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بهاذا} [يونس: 68] أي من حجة بهذا؟
فإن قال: أناأعلم أني قد أصبت وإن لم أعرف الحجة. لأني قلدت كبيرًا من العلماء وهو لا يقول إلا بحجة خفيت علي.
قيل له: إذا جاز تقليد معلمك لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عليك. فتقليد معلم معلمك أولى.
لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت على معلمك: كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عليك.
فإن قال: نعم ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه.
وكذلك من هو أعلا حتى ينتهي الأمر إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإن أب ذلك نقض قوله.
وقيل له: كيف تجوز تقليد من هو أصغر. وأقل علمًا؟
ولا تجوز تقليد من أكبر وأكثر علمًا. وهذا تناقض؟
فإن قال لأن معلمي وإن كان أصغر فقد جمع علم من هو فوقه إلى علمه. فهو أبصر بما أخذ وأعلم بما ترك.
قيل له: كذلك من تعلم من معلمك. فقد جمع علم معلمك وعلم من فوقه إلى علمه. فيلزمك تقليده.
وترك تقليد معلمك.
وكذلك أنت أولى أن تقلد نفسك من معلمك. لأنك جمعت علم معلمك وعلم من هو فوقه إلى علمك.
فإن قلد قوله جعل الأصغر ومن يحدث من صغار العلماء. أولى بالتقليد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واله وسلم.
وكذلكالصاحب عنده يلزمه تقليد التابع والتابع من دونه في قياس قوله. والأعلى للأدنى أبدًا.
وكفى بقول يؤول إلى هذا تناقضًا وفسادًا اه.
ثم قال أبو عمر رحمه الله بعد هذا ما نصه:
يقال لمن قال بالتقليد: لم يقلت به. وخالفت السلف في ذلك فإنهم لم يقلدوا؟
فإن قال: قلدت لأن كتاب الله لا علم لي بتأويله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لم أحصها.
والذي قلدته قد علم ذلك فقلدت من هو أعلم مني.
قيل له: أما العلماء. إذا أجمعوا على شيء من تأويل الكتاب أو حكاية عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أواجتمع رأيهم على شيء فهو الحق لا شك فيه.
ولكن قد اختلفوا فيما قلدت فيه بعضهم دون بعض.
فما حجتك في تقليد بعضهم دون بعض.
وكلهم عالم. والعالم الذي رغبت عن قوله. أعلم من الذي ذهبت إلى مذهبه.
فإن قال: قلدته لأني أعلم أنه صواب.
قيل له: علمت ذلك بدليل من كتاب الله أوسنة أوإجماع؟
فإن قال نعم. أبطل التقليد وطو لب بما ادعاه من الدليل.
وإن قال: قلدته لأنه أعلم مني.
قيل له: فقلد كل من هو أعلم منك.
فإنك تجد من ذلك خلقًا كثيرًا ولا تخص من قلدته غذ علتك فيه انه أعلم منك.
فإن قال: قلدته لأنه اعلم الناس.
قيل له: فإنه إذًا أعلم من الصحابة وكفى بقول مثل هذا قبحًا.
فإن قال: قلدته لأنه أعلم الناس.
قيل له: فما حجتك في ترك من لم تقلد منهم. ولعل من تركت قوله منهم أفضل ممن أخذت بقوله؟
على أن القول لا يصح لفضل قائله. وإنما يصح بدلالة الدليل عليه.
وقد ذكر ابن مزين عن عيسى بن دينار. عن ابن القاسم عن مالك. قال: ليس كل ما قال رجل قولا وإن كان له فضل يتبع عليه لقول الله عز وجل: {الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18]. فإن قال قصري وقلة علمي يحملني على التقليد.
قيل له: أما من قلد فيما ينزل. من أحكام شريعته عالمًا يتفق له على علمه. فيصدر في ذلك عما يخبره فمعذور. لأنه قد أدى ما عليه وأدى ما لزمه فيما نزل به لجهله ولا بد له من تقليد عالم. فيما جهله. لإجماع المسلمين أن المكفوف يقلد من يثق بخبره في القبلة لأنه لا يقدر على أكثر من ذلك.
ولكن من كانت هذه حاله هل تجوز له الفتيا في شرائع دين الله؟ فيحمل غيره على إباحة الفروج وإراقة الدماء واسترقاق الرقاب وإزالة الأملاك ويصيرها إلى غير ما كانت في يديه بقول لا يعرف صحته ولا قام له الدليل عليه؟
وهومقر أن قائله يخطىء ويصيب. وأن مخالفه في ذلك ربما كان المصيب. فيما خالفه فيه.
فإن أجاز الفتوى لمن جهل الأصل والمعنى لحفظه الفروع. لزمه أن يجيزه للعامة.
وكفى بهذا جهلًا. وردًا للقرآن قال الله تعالى: {ولاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]. وقال: {أَتَقولونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 28].
وقد أجمع العلماء على أن ما لم يتبين ويتيقن فليس بعلم. وإنما هو ظن. والظن لا يغني من الحق شيئًا اه. كله من جامع ابن عبد البر رحمه الله.
واعلم أن حاصل جميع حجج المقلدين منحصر في قولهم: نحن معاشر المقلدين ممتثلون قول الله تعالى: {فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43 والأنبياء: 7].
فأمر سبحانه من لا علم له أن يسأل من هو أعلم منه. وهذا نص قولنا:
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من لا يعلم إلى سؤال من يعلم. فقال في حديث صاحب الشجة: «ألا سألوا إذا لم يعلموا. إنما شفاء العيي السؤال» وقال أبو العسيف: الذي زنى بأمرأة مستأجرة:
وإني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام. وأن على امرأة هذا الرجم فلم ينكر عليه تقليد من هو أعلم منه:
وهذا عالم الأرض عمر قد قلد أبا بكر.
فروى شعبة عن عاصم الأحول. عن الشعبي أن أبا بكر قال في الكلالة: أقضي فيها فإن يكن صوابًا فمن الله. وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان. والله منه بريء: هو ما دون الولد والوالد. فقال عمر بن الخطاب إنيي لأستحيي من الله أن أخالف أبا بكر.
وصح عنه أنه قال له:
رأينا لرأيك تبع. وصح عن ابن مسعود أنه كان يأخذ بقول عمر.
وقال الشعبي عن مسروق: كان ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتون الناس ابن مسعود وعمر بن الخطاب وعلي وزيد بن ثابت وأُبي بن كعب وأبو موسى.
وكان ثلاثة منهم يدعون قولهم لقول ثلاثة.
كان عبد الله يدع قوله لقول عمر. وكان أبو موسى يدع قوله لقول علي. وكان زيد يدع قوله لقول أبي بن كعب.
وقال جندب: ما كنت أدع قول ابن مسعود لقول أحد من الناس.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن معاذًا قد سنَّ لكم سنة فكذلك فافعلوا» في شأن الصلاة حيث أخر فصلى ما فاته من الصلاة مع الإمام بعد الفراغ. وكانوا يصلون ما فاتهم أولا ثم يدخلون مع الإمام.
قال المقلدة:
فوقد أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر وهم العلماء أو العلماء والأمراء. وطاعتهم تقليدهم فيما يفتون به.
فإن ه لولا التقليد لم يكن هناك طاعة تختص بهم.
وقال تعالى: {والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْه} [التوبة: 100].
وتقليدهم اتباع لهم ففاعله ممن رضي الله عنهم. ويكفي ذلك الحديث المشهور: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»
وقال عبد الله بن مسعود: من كان منكم مستنًا فليستن بمن قد مات. فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة. أولئك أصحاب محمد أبر هذه الأمة قلوبًا. وأعمقها علمًا وأقلها تكلفًا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه. وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي»
وقال: «اقدتوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن أم عبد»
وقد كتب عمر إلى شريح: ان اقض بما في كتاب الله فإن لم يكن في كتاب الله فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقضِ بما قضى به الصالحون.
وقد منع عمر عن بيع أمهات الأولاد وتبعه الصحابة.
وألزم بالطلاق الثلاث فتبعوه أيضًا.
واحتلم مرة. فقال له عمرو بن العاص: خذ ثوبًا غير ثوبك فقال لوفعلتها صارت سنة.
وقال أُبي بن كعب وغيره من الصحابة: ما استبان لك فاعمل به. وما اشتبه عليك فكله إلى عالمه.
وقد كان الصحابةيفتون ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي بين أظهرهم.
وهذا تقليد لهم قطعًا.
إذ قولهم لا يكون حجة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قال تعالى: {فَلولا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهواْ فِي الدين ولينذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رجعوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] فأوجبعليهم قبو ل ما أنذروهم به إذا رجعوا إليهم.
وهذا تقليد منهم للعلماء.
وصح عن ابن الزبير. أنه سئل عن الجد والإخوة. فقال: